"
هادي يحمد
حي بروت ديكلينكورت حيث توجد المجزرة الإسلاميةباريس - هناك كلمة سر يمكن أن تحول الأحياء الفرنسية ذات الغالبية المسلمة إلى أحياء تشهد معدلات "انحراف أقل وأخلاق أعلى".. إنه "سيدي رمضان" أو "احشم سي لي رمدون" بالفرنسية كما ينطقه أبناء الجيل الثاني والثالث، فالكل أصبح مقتنعًا أن الانضباط الأخلاقي والابتعاد عن الانحراف وطرد المومسات عن الأرصفة، والكف عن تناول المسكرات والمخدرات لا توقفه القوانين أو أعداد الشرطة الهائلة أو دورياتهم التي تجوب كل ربع ساعة أزقة الأحياء ذات الغالبية المسلمة.
ومع إعلان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بفرنسا (الممثل الرسمي للإسلام بفرنسا) الخميس 13-9-2007 أول أيام شهر رمضان، تغيرت معالم شوارع "لاشابيل" و"برباس" و"أرنانو" و"كورون" ذات الكثافة المسلمة بباريس كليًّا.
وفي جولة لـ"إسلام أون لاين.نت" مساء الأربعاء 12-9-2007 سادت تقوى اللسان، وقلّ السب والألفاظ النابية وغاب باعة "القنب" و"الزطلة" (مخدر يستهلكه مواطنو دول المغرب العربي). وتم طرد المخنثين وبائعات الهوى الذين يجوبون أرصفة المحال العربية والتي يكتظ بها الحي في الدائرة الثامنة عشر من باريس.
حمادي (33 سنة) صاحب محل الهواتف المحمولة والمعروف بكونه إحدى الوجهات السرية للشباب لشراء القنب قام مع حلول رمضان بوضع "الإمساكيات الرمضانية" بطبعة مسجد باريس المركزي على طاولة محله.
وقال لـ"إسلام أون لاين.نت": "سيدي رمضان جاء، وعلينا على الأقل في هذا الشهر الكريم شهر البركة ألا أبيع أي بضاعة غير الهواتف المحمولة لا غير".
قوانين رمضان
في الدائرة التاسعة عشر بباريس ذات الكثافة المسلمة يقول الدكتور "العربي كشاط" مدير المركز
العربي كشاط
الاجتماعي والثقافي وعميد مسجد الدعوة: "ما نشاهده اليوم من تغيرات في سلوك الشباب المسلم يثير حقًّا الفخر، فرمضان أصبح محطة مهمة لإثبات الهوية الإسلامية، وبحلوله يقبل الشباب على الطاعات ويتركون المعاصي في حركة تثير حتى تعجب الفرنسيين أنفسهم".
ويضيف العربي كشاط "جئت إلى فرنسا في السبعينيات وحينها كان القليل يصوم رمضان، حتى قررنا وقتها مع بعض الشباب المسلم توزيع يوميات الصيام أمام مخارج محطات المترو، وأذكر أني كنت يومًا أوزع اليوميات عند محطة "ستراسبورج سانت ديني" على الذين أتوسم فيهم أنهم ذوو ملامح عربية، وفي يوم خاطبني عامل عربي قائلاً "يا أخي نحن تركنا رمضان هناك وأنتم جئتم به إلى هنا".
يومها يقول العربي كشاط "تأثرت كثيرًا بسبب ترك البعض دينهم، غير أنني عندما أقارن ذلك بما رأيته يوم أمس فقط في أحد أسواق (بالفيل) في الدائرة الحادية عشر من باريس أقول لك لقد ذرفت عيني دمعًا لرؤية الجموع بالآلاف وهي تستعد لاستقبال رمضان".
وأضاف "أصبح رمضان يفرض قوانينه (الاحتشام والاحترام) في الأحياء ذات الكثافة المسلمة، فبعض الملاهي الليلية التي يديرها عرب ومسلمون علَّقت على أبوابها إعلانًا بالفرنسية يقول "نفتح أبوابنا بعد رمضان".
وحتى بائعات الهوى والمخنثون يخشون سطوة "سيدي رمضان" وسلطته على الأحياء ذات الغالبية المسلمة، حيث يُخلون مع بداية الشهر الكريم الطريق المؤدي إلى "بورت ديكلنكورت" البوابة الشمالية للعاصمة، حيث يتركزون فيه بكثرة.
وتقوم بائعات الهوى بما يشبه بهجرة جماعية إلى منطقة "بورت دوفين"، حيث تقل أعداد المسلمين هناك ولا يتعرضن للسب والشتم؛ وهو الأمر الذي يحدث مع العديد منهن إذا ما تجرأن وبقين في "بروت ديكلينكورت".
قوة روحية
من جهته وأمام المجزرة الإسلامية التي يكتظ أمامها العشرات من سكان الحي يقول المنصف بائع المصاحف والتسجيلات الدينية "لا رشيدة داتي (وزيرة العدل الفرنسية من أصول عربية) ولا ساركوزي ولا "إل س ر س" (الشرطة الفرنسية) ولا دورياتهم التي تجوب الشوارع كل ربع ساعة تستطيع أن تمنع بيع الزطلة والقنب، ولا تفرض الاحترام والانضباط، وحده سيدي رمضان يفرضها بقوته الروحية".
وسيدي رمضان "كلمة دارجة مغاربية يستعملها العديد من سكان الأحياء ذات الغالبية المسلمة للدلالة على شهر رمضان، حيث يشخص الشهر الكريم في شخصية رجل".
ولمزيد من الاحترام له يسند له لقب "سيدي" وهو لقب يمنح عادة في المغرب العربي للأولياء الصالحين كـ"سيدي محرز" في تونس وسيدي "علي بن حرازم" في المغرب وسيدي "يحيى الطيار" بالجزائر.
سطوة وسلطة سيدي رمضان أمر يعيه جيدًا مسئولو الجمعيات المسلمة بفرنسا، وكذلك حتى السلطات البلدية المحلية.
"احشم س لي رمدون"
فمحمد هنيش الأمين العام لاتحاد المنظمات المسلمة بمنطقة 93 والتي تعتبر أكبر تجمع سكني لمسلمي فرنسا يقول: "مع حلول اليوم الأول تتهافت على مقر جمعياتنا المكالمات من الشباب الذي لا يلتزم العديد منهم بأي من الفرائض الدينية يسألون عن موعد رمضان ويسألون عن ميقات التراويح".
ويضيف لـ"إسلام أون لاين.نت" "أما الكلمة التي تتردد في تجمعاتهم أمام أبواب العمارات حيث يسكنون إذا تلفظ أحدهم بعيب فهي بالفرنسية المخلوطة بالعربية (احشم س لي رمدون)، أي عليك بالتزام الحشمة إنه رمضان".
ويضيف هنيش "كل المعاملات تتغير في الأحياء في رمضان ويجد رؤساء البلديات تغييرًا جذريًّا في سلوكيات الشباب الذي تعود على الانحراف قبل رمضان، فالذين تعودوا النهب وتعاطي الزطلة والكيف قبله يلتزمون الجبة والبرنوس، ويتجهون إلى المساجد لمتابعة التراويح مع أن بعضهم لا يستطيع النطق بأية كلمة عربية".
وشهد احترام شهر رمضان والالتزام به نموًّا كبيرًا في صفوف مسلمي فرنسا، حيث فاقت هذه العبادة جميع العبادات الإسلامية الأخرى، فبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز "إس س أ" الفرنسي السنة الماضية فإن هناك 49% فقط من مسلمي فرنسا قالوا إنهم يترددون على المساجد، مقابل 88% قالوا إنهم التزموا بصيام السنة الماضية.
وشهدت نسبة الملتزمين برمضان ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، حيث كانوا 60% فقط سنة 1989، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 70% سنة2001