باريس- كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد الظهر في ثاني أيام شهر رمضان المبارك حينما نهض المصلون لأداء صلاة الجمعة في مسجد "عمر بن الخطاب" بالدائرة الحادية عشرة من العاصمة الفرنسية باريس..
وإذا كان هذا المشهد يبدو تقليدا داخل المسجد فإن المشهد غير المألوف كان خارج المسجد؛ حيث سدت صفوف المصلين الشارع المحاذي للمسجد بطوله؛ وبالتالي أغلق الشارع تماما أمام حركة السير ومرور السيارات.
"إنه الإقبال على طاعات رمضان في أول صلاة جمعة له".. هكذا علق أحد المارة مختزلا صورة أكثر شمولا امتدت عبر أنحاء متفرقة بالعاصمة الفرنسية.
فقد أغلقت 3 شوارع رئيسية على الأقل بباريس في نفس اليوم بسبب الإقبال الكبير على المساجد في أول جمعة من رمضان، وهي شوارع "مورن" المحاذي لمسجد "عمر بن الخطاب" في الدائرة الحادية عشرة، و"بلنسو" المحاذي لمسجد "الفتح" في الدائرة الثامنة عشرة، و"ميرا" الذي يتواجد فيه مسجد "خالد بن الوليد" شمالي العاصمة.
وعلى الرغم من عدم وجود ترخيص بإغلاق الشوارع في أوقات الصلاة أمام المساجد، فإن بلدية باريس، التي تعد من أكثر البلديات الأوروبية تنظيما، تعتمد كثيرًا مبدأ "التسامح"، خاصة أن الأمر لا يدوم إلا ركعتي الجمعة والتي تستغرق حوالي عشر دقائق.
وفي تعليقه على هذا (حشود المصلين خارج المساجد) يقول الحاج أمادو (وهو أحد المسئولين عن مسجد "الفتح"): "نحن أصلا نعاني من ضيق صحن المسجد بالمصلين في الأيام العادية، وتواجهنا مشكلة عويصة بمجرد حلول رمضان مع تضاعف أعداد المصلين، وخاصة أيام الجمعة والتراويح، لثلاثة أضعاف".
ويضيف الحاج أمادو لـ"إسلام أون لاين" قائلا: "ما يزيد المشكلة أن مسجدنا يقع في منطقة تجارية تعج بالمسلمين الذين يبدون أحرص ما يكون على أداء الصلوات أيام رمضان".
من ناحية أخرى، حذر أحد مسئولي مسجد "عمر بن الخطاب" مراسل "إسلام أون لاين" من التقاط صور لحشود المصلين خارج المسجد.. وبرر المسئول الذي رفض نشر اسمه التحذير بقوله: إن بعض تيارات اليمين المتطرف تستغل مشاهد الصلاة بالشارع للتشهير بالمسلمين واتهامهم بالسعي لأسلمة أوروبا.
رب ضارة نافعة
من جهته، يقول الشاب زياد (34 سنة): "إن هذا رمضان الثالث الذي أقضيه في المهجر بعيدا عن بلادي المغرب، ولكن لم يسبق لي أن شاهدت هذه الأعداد الكبيرة من المصلين".
ويضيف زياد لـ"إسلام أون لاين" قوله: "أعتقد أن العداوة للإسلام والمسلمين في بعض وسائل الإعلام الغربية وآخرها الرسوم الكاريكاتيرية التي تسخر من نبينا ومقدساتنا زادت من حدة تشبث المسلمين بهويتهم ودينهم وهذا ما تجسم هذا العام".
لكن ماذا بشأن سكان المناطق الملاصقة لهذه المساجد من غير المسلمين؟
"الأكيد أني تعودت على هذا المظهر، وإذا لم أكن في حالة الضرورة لا يضايقني الأمر كثيرًا، وعلى كل فإن خمس أو عشر دقائق كل أسبوع وفي أيام الذروة مثل شهر رمضان لن تؤثر في نمط حياتي كثيرا".. هكذا تعلق سيدة تدعى أورلي وتقطن قرب مسجد "عمر بن الخطاب".
وترى أورلي أن المسئولية في هذا الزحام والتكدس تقع على عاتق المسئولين "الذين لم يوفروا أماكن تليق بثاني ديانة بفرنسا"، على حد قولها.
وفيما ثار تساؤل في المجالس البلدية بعدد من الدوائر الباريسية بشأن كيفية تسيير حركة المرور، بدا أنه لم يتم التعامل بجدية مع أحد الاقتراحات التي تحظى بشبه إجماع بضرورة توسيع المساجد لإيجاد أماكن تتسع للأعداد المتزايدة من المصلين، بحسب مراقبين.
ويبلغ عدد المساجد بفرنسا حوالي 1500 مسجد، غير أن العديد من الإحصائيات ترفع العدد إلى 2000 بيت مسجد وبيت صلاة يتواجد العديد منها في أقبية العمارات ولا تتوفر فيها الشروط الضرورية والصحية لدور العبادة.
وقد أثيرت فكرة بناء مساجد كبيرة على غرار الكاتدرائيات لأول مرة على لسان الرئيس نيكولا ساركوزي الذي كان من أوائل المسئولين الفرنسيين الذين أثاروا هذا الملف الذي يشكل أحد الملفات الكبرى التي تسيطر على اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية في السنوات الأخيرة.